Sunday 19 February 2012

ورد وشيكولاتة

وعدته أنها سوف تعاود الإتصال به بعدما تنتهي من بعض شئونها الخاصة وأنها سوف تحكي له حكاية عبر الهاتف حتي ينام ، فجلس ينتظرها حتي الساعات الأولي من الصباح إلا أنها لظروف ما لم تعاود الإتصال به فغلبه الإرهاق وراح في النوم ، واستيقظ في الصباح علي رنين الهاتف وكانت هي ، وكان حريصا علي أن يكون صوتها أول ما يسمعه في الصباح وكانت تعلم ذلك ... تبادلا أطراف حوار صباحي ممتع وقام بالذهاب إلي عمله منتشيا كعادته كلما هاتفته أو هاتفها في الصباح..... وعندما وصل إلي عمله حادثها هاتفيا فلم ترحه نبرة صوتها التي تشي بأن هناك ما يعكر صفوها فلم يستطع الاستمرار في عمله ووقرر أن يذهب إلي حيث تعمل وفي طريقه اشتري لها ثلاث وردات حمراء وشيكولاتة محلية الصنع تحبها هي كثيرا وكانت تغمره سعادة غامرة أرجعها إلي أنه سوف يراها وأنها قد تسر إذا فوجئت به علي غير موعد وما ان وصل إلي البناية التي تعمل بها حتي شرع في الإتصال بها فلم تجبه وحاول ثانية وثالثة ولا مجيب ... بعث إليها برسالة قصير أنه أمام البناية التي تعمل بها وانتظر ومرت عليه عشرة دقائق ثقيلة ولم يتلق جوابا ، فكر أن يصعد إليها حيث تعمل فلم تلق الفكرة قبولا لديه إذ أنه يخشي أن يسبب لها حرجا ما .. دلف إلي مدخل البناية وانتقي إحدى أصص الزرع التي تزينه ووضع فيه الشيكولاته ولم يعلم أين يضع الورود فأخذها معه وانصرف خائب السعي .... وفي طريق عودته أخرجه من شروده طفلة رائعة الجمال لم تتجاوز العاشرة من عمرها تمشي بصحبة أمها فتوجه إليهما بدون وعي واستوقفهما وأعطي الورود للطفلة التي سرت بها كثيرا بينما يعتري نظرتها الباسمة إليه بعض الإستغراب وتبادل ابتسامة سريعة مع امها التي شكرته وهي لا تقل استغرابا عن طفلتها وانصرف ..... لم يعلم إلي اين يذهب فقرر أن ينهي يومه سريعا ويعود إلي المنزل وهو في حالة غريبة من الهدوء الممتزج بخيبة الأمل ولم يتبادل كلمة مع أحد من أسرته .... دخل إلي غرفته واندس في فراشه بدون أن يغير حتي ملابسه ونظر إلي السقف طويلا متخيلا وجهها ينظر إليه باسما واخذ يمرر يديه في شعره متخيلا أنها يديها لا يديه وراح في سبات عميق .... ولم يستيقظ ثانية

جراحة

أمسك بالمشرط بقوه وغرسه في صدره حتي المقبض وشق فيه فتحتان طولية وعرضيه ، ثم وضع المشرط جانبا واستعمل كلتا يديه لإخراج القلب من موضعه لم يفلح في إزالة اللون الأحمر منه ولكنه بحث حتي وجد ذلك المكان المنقوش فيه اسمها فطمسه ثم أعاد القلب إلي موضعه وقام بسد تلك الفتحة في صدره وأمسك بالمشرط ثانية ووضعه في رأسه بخفة ثم قام بشقها وأمسك بمخه وأخرجه وأخذ يبحث فيه عن كافة ذكرياته العالقة بها ، وجد أول لقاء بينهما ، كلمة أحبك بصوت واحد ونبرات مختلفة ، إيماءة ، نظرة حانية ، حفلة موسيقية ، قميص أبيض ، حذاء ، حافظة نقود ، فتاة صغيرة ، موسم الهجرة إلي الشمال ، مقهي ، مطعم ،  ............ وشرع في إزالة هذا كله فتراكمت بجواره كومة من الذكريات التي لم يتخيل امتلاكها يوما ما ، ثم أعاد مخه إلي موضعه بعناية فائقة وأغلق رأسه ثم أحضر بعض أعواد الثقاب وأخذ في إشعال تلك الكومة من الذكريات ، ذكري تلو الأخري واستمتع برائحة شواء ذكرياته أيما استمتاع ..... ثم تهاوي علي منضدة الجراحة وهواء الغرفة معبأ بدخان الماضي ... لم يشعر يوما بمثل هذا الحنين للا أحد ولم تتساقط دموعه ودماؤه بمثل هذه الغزارة يوما ... جرجر قدميه حتي باب غرفة العمليات وأدار المقبض فانفتح الباب علي نفق من النور شديد البياض فوضع قدميه علي مدخل النفق ..... واختفي

جدران الروح

    بمرور الوقت ومع قليل من التأمل والانفراد بالذات روحك بتتحول لجدارية مكتوب عليها كل تطورات حياتك بحلوها ومرها ... الحزن واليأس متلازمة الناس اللي بتقدر تقري الجدارية دي لأنهم بيعرفوا ببساطة ان حياتهم عباره عن دواير جنب بعضها وانهم بدون سبب محدد بس حقيقي بيتشالوا من دايره لدايره بمجرد ما اللفة تخلص ، بدون وعي تقدر تتنبأ بنهايات كل الحاجات علشان هيا حصلت قبل كده وانتهت كده ... بس العشوائية في الإنتقال بين الدواير اللي فيها كل تفاصيل حياتك بتحسسك علي غير الحقيقة ان دايما في جديد بس لو بتعرف تقري جداريتك هتكتشف الخدعة وانك مش ماشي في خط مستقيم أو معوج انت في دايرة ...كمان في نتايج بتكتشفها منها ان البراءة والنقاء دول مش موجودين غير في الدايرة اللي ماكنتش فيها تقدر تاخد قرار وللاسف الدايرة دي هيا الوحيدة اللي مش بترجعلها تاني علشان كده دايما تدور عليها في الصور ودا سبب انك دايما بتنبش ألبومات صورك وانت صغير ( علي فكرة كلمة تنبش أنا قاصدها علشان للاسف الذكريات بتموت هيا كمان ومقابرها هيا الصور ) ...  الزمن : مش مهم غير بره الدواير وبالتالي مع استمرارية انتقالك من دايرة لدايرة وعدم احساسك بالاطمئنان وانت بره الدايرة بيفقد الزمن أهميته ومش بتحس بيه غير في الشعر الأبيض ، التجاعيد ، قدرتك المتناقصة علي الضحك الصافي ، طعم الأكل ، الوجع  الوجع : من الحاجات اللي عمرك ما بتقدر تتوصل لإحساس واحد ليها ربما لإنك بتبقي مصمم تنساه  النسيان :تصرف لا إرادي بيحصل علشان انت مش بتبقي في الدايرة اللي انت عايزها علشان انت مالكش حق الاختيار  الاختيار : فيه كدبة دايما بنقنع نفسنا بيها وهيا اننا أحرار في اختياراتنا بس الحقيقة دي حاجة مش بنعرف انها حقيقية أو مزيفة غير واحنا علي فراش الموت  الموت : حاجة مش بترعبني بس لما بفتكرها مش عارف ليه بحس بحنين جارف للنومة الطويلة اللي المفروض مش هصحي منها وكمان بحس برعشة في جسمي كله ، حاجة كده تشبه احساسك لما بتيجي تحت الدوش فجأة  المفاجأة : وهم دايما بتلجأله علشان تحس ان في حاجات جديدة في حياتك مثلا انت دايما بتنجح في حاجات كتير وبتبقي واثق من النتيجة اللي المفروض انك متعرفهاش بس كل مرة بتتفاجأ لما تعرف انك نجحت وتتنطط وترقص وكأن نجاحك المتوقع بالنسبالك كان شئ مجهول  المجهول : الحاجات اللي مبتقدرش تشوفها دايما بتخوفك حتي لو كنت عارفها ،مثلا انت حافظ كل تفاصيل اوضتك بس لما بتطفي النور أقل صوت بتسمعه بيرعبك والمجهول مجرد احساس بتقنع نفسك بيه ان في حاجات متعرفهاش بس الحقيقي ان المجهول عمره ما بيجيلك وان انت المفروض تروحله لو عاوز تعرف  المعرفة : الحاجة الوحيدة اللي بتخليك كالعير في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول ... كل حاجة عايز تعرفها موجودة جواك وبالرغم من كده عمرك ما بتعرفها من جواك مع ان الحكاية محتاجة بس شوية تأمل  التأمل : رياضة مش ممكن تمارسها غير وانت في وسط الدايرة ولأن مكانك دايما عشوائي فمش بتقدر علي الرياضه دي غير لو قدرت تحدد مكانك  المكان : انت نفسك عبارة عن شوية أماكن لو قدرت تجمعهم مع بعض تقدر ترسم صورة حقيقية لنفسك تخليك تحدد مدي جنونك  الجنون : كل واحد مننا مجنون بطريقة أو بأخري بس المهم جنونك مختلف وللا زي اللي حواليك

Thursday 2 February 2012

أنس


فقط رأيت ابتسامته فأحببته وأحسست كأني أعرفه ... نعم أنا أعرف هذا الوجه وأعرف تلك الإبتسامه ... برئ ...مرح ... ذكي ...محب للحياة ... أنس قتل ... فارق الحياة وهو لم يتعدي الخامسة عشر من عمره ... كيف قتل ؟ لا أعلم ..ربما قتلته ضربة في رأسه وربما داست عليه الأقدام وربما ألقي به من أعلي لكني متأكد من المعاناة التي أحس بها .. تري هل تساءل أنس عن هوية قاتليه ؟ هل قال لنفسه أنه من غير المعقول أن ما يراه يحدث علي يد آدميين ؟ هل تألم كثيرا قبل أن تفيض روحه ؟ هل كان يعلم أنه خرج ليشجع ناديه المفضل وأنه ربما لا يعود لأحضان أمه ؟؟ ... هل كانت أمه منهمكة في إعداد العشاء لصغيرها وتدندن أغنية من أغانيها التي طالما غنتها له في انتظار عودته بينما هو يقتل بلا رحمه ؟؟هل سألها أبوه عن رايها في فانلة الأهلي التي ابتاعها له ليحضر بها مباراة فريقه المفضل ؟؟ لا أكاد أصدق عيني ، هل خلق الله كائنا يستطيع قتل هذه البراءه ؟؟ لو كنت قاتلا مأجورا مكلفا بقتله مقابل أموال الدنيا ورأيته لاحتضنته ولقبلت قدميه طالبا منه الصفح لأنني كنت متخيلا أنني يمكنني سلبه ابتسامته .... استشهد ما يربو علي السبعين شابا ... وأنس ... أعلم تمام العلم أن حوادث اشتباكات مشجعي كرة القدم خلفت أعداد أكبر من الضحايا لكن لم يكن من بينهم أنس ... أعلم أن هناك كوارث طبيعية خلفت آلافا من الضحايا لكن لم يكن من بينهم أنس ... أعلم أن الثورات خلفت آلافا من الشهداء لكن لم يكن من بينهم أنس ...أعلم أن الحروب خلفت مئات الآلاف من الضحايا لكن لم يكن من بينهم أنس ... أعلم أيضا أننا في العام 2012 حيث التكنولوجيا ووسائل مكافحة الشغب المتقدمة وحيث حياة البشر تساوي الكثير وأعلم ايضا اننا في مصر وأننا لسنا بهذا العنف وعلي يقين من أنه لا يوجد مصري علي وجه الكرة الأرضية يمكنه أن يفقد أنس ابتسامته .. لكني أعلم أن لدينا عسكر وداخلية ، ذئاب جريحة تسعي للإنتقام من عددا من أنبل الشباب المصري لطالما ساندونا وتكفلوا بحمايتنا من طغيانهم وبطشهم ، لطالما تعاملوا مع قنابلهم المسيلة للدموع ورصاصهم وتلقوه في صدورهم وايديهم وارجلهم بدلا منا وهتفوا بسقوطهم في ملاعب كرة القدم التي طالما جمعتهم ألوفا مؤلفة بدلا من الهتاف لفرقهم التي يعشقونها....أعلم أن أحلامهم نمت وترعرعت في ظل ثورة كانوا من أصحاب الفضل في استمرارها .. أحبونا وساندونا وأحبو وطنهم بعد أن عثروا عليه في الميدان ... ايقنوا أن لهم وطنا وأنه يدعي "مصر" ... حلموا وحلموا وحلموا وحلموا ورأوا حلمهم علي بعد أمتار منهم .. أحرارا ،كراما،مرفوعي الرأس.. هرولوا ناحية الظلم أينما وجد ، حملوا جثمان الشهيد ، شيعوه ، مسحوا علي راس أمه ، تساقطت دموعهم رغما عنهم ، أقسموا ألا يفرطوا في حق الشهيد ، هرولوا ليقاوموا البطش والطغيان أينما وجدا ... لكنهم ما زالوا يحبون لعبتهم وفريقهم المفضل .. لا يمكن أن يتخلوا عن شئ أحبوه ...أغلقت الأبواب ، تحول الهمس إلي صوت جهوري ثم إلي مؤامرات... ثم اقتيدوا إلي حتفهم...سقط الأول والثاني والثالث والرابع والسبعين .... وسقط أنس